
أسامة داود يواصل تساؤلاته: السفر المكوكي للوزير.. من يدفع الفاتورة؟

طائرات خاصة وفنادق فاخرة
في الوقت
الذي تتراكم فيه ديون قطاع البترول بالمليارات، وتئن الشركات التابعة تحت وطأة الالتزامات،
يعيش الوزير أسلوب حياة أقرب لزعماء الدول الغنية، لا وزير في دولة تبحث عن كل دولار
لتسد احتياجاتها.
رحلات مكوكية إلى الخارج، بطائرات خاصة مملوكة لشركات القطاع، وإقامات في أجنحة فنادق سبعة وعشر نجوم، كلها تُسدد من أموال الدولة التي تأتي في معظمها عبر قروض، لا من فوائض إنتاج أو أرباح حقيقية.
السؤال البديهي: لماذا تتحمل شركات البترول هذه التكاليف، وهي نفسها التي تشكو من نقص السيولة وسداد الديون المتأخرة؟
من يدفع الفاتورة؟
الأمر لا
يتوقف عند استخدام موارد الدولة، بل يتعداه إلى توزيع تكاليف هذه الرحلات على شركات
القطاع، التي تُجبر على تحملها "رغما عنها".
شركات كبرى مثل بتروجت، إيجاس، إنبي، وغيرها، مطالبة بالكشف للرأي العام عن حجم ما دفعته لتغطية سفر الوزير ووفوده، وعن المعايير التي تحدد اختيار هذه الشركات لتتحمل الفاتورة.
هل هناك خطة تحدد أن هذه الرحلة أو تلك ستجلب استثمارات أو اتفاقيات تجارية حقيقية، أم أن الأمر أقرب إلى "سياحة رسمية" تلتقط فيها الصور وتُنشر البيانات الصحفية، بينما العائد الفعلي شبه منعدم؟
رحلات بلا مبرر
عدد الرحلات
التي قام بها الوزير إلى الخارج يثير التساؤلات: كم رحلة تمت خلال العام الماضي؟ ولماذا
سافر في كل مرة؟ وما الذي تحقق فعليًا من هذه السفريات؟
من الطبيعي أن يسافر الوزير لتمثيل الدولة في فعاليات ضرورية، لكن غير الطبيعي أن يسافر بطائرة خاصة بينما تسير مصر للطيران رحلات منتظمة إلى معظم العواصم التي يزورها، وغالبًا ما تكون بها مقاعد فارغة.
كما أن إصراره على السفر بدرجة رجال الأعمال أو الدرجة الأولى، مع حاشية كاملة من القيادات، يطرح سؤالًا عن معايير الترشيد التي يُفترض أن يطبقها القطاع في ظل أزمة مالية خانقة.
فاتورة تعديلات مواعيد السفر
حتى تعديل مواعيد السفر للخارج أصبح مكلفًا، حيث تشير المعلومات إلى أن تعديل مواعيد سفر الوزير خلال أقل من عام كلف الوزارة مئات الالاف من الجنيهات.
الأخطر أن
هذه الرحلات لا يبدو أنها تحقق نتائج اقتصادية حقيقية للقطاع.
فإذا كانت
الغاية هي جذب الاستثمارات أو توقيع اتفاقيات، فلماذا لا نرى أثرًا ملموسًا على الإنتاج
أو تخفيض الديون؟ وإذا كانت الغاية تمثيل مصر، فلماذا لا يشارك في فعالياتنا على أرض
الوطن وزراء بترول العالم، بينما يحرص وزيرنا على حضور كل الفعاليات، المهم منها،وغير المهم في الخارج؟
إدارة القطاع من صالة المغادرة
هذا النمط
من الإدارة يطرح سؤالًا حول غياب الوزير عن مكتبه لفترات طويلة. كيف يمكن إدارة قطاع
بهذا الحجم من داخل صالات المطارات أو فنادق العواصم الأجنبية؟
غياب المتابعة اليومية للأزمات الداخلية، والاكتفاء بالتصوير في مواقع خارجية، يترك الانطباع بأن الأولوية ليست لحل المشكلات، بل للحضور الإعلامي الخارجي.
المال الذي يُنفق على هذه السفريات ليس مالًا خاصًا، بل هو أموال عامة، يأتي معظمها من قروض ستسدد من جيوب المصريين.. ومن حق الشعب أن يعرف:
* كم عدد الرحلات الخارجية التي قام بها الوزير منذ وصوله الى مقعد الوزارة قبل عام؟ وكانت بلغت 40 رحلة خلال الشهور الستة الأول.
* كم بلغت تكاليف كل رحلة بالدولار؟
* ما العائد
الذي تحقق من كل رحلة على الإنتاج أو التصدير أو الاستثمارات؟
هذه الشفافية
ليست رفاهية، بل واجب في أي قطاع عام، خاصة إذا كان يدار في ظل ديون متراكمة وضغوط
مالية هائلة.
السفر ضرورة.. ولكن بشروط
لا أحد يعترض على سفر الوزير إذا كان يخدم المصلحة الوطنية، لكن يجب أن تكون هناك معايير واضحة والسفر فقط في حالات الضرورة القصوى.
الاعتماد على خطوط الطيران التجارية، والدرجة الاقتصادية قدر الإمكان على أن تكون المشاركة بوفود صغيرة وفعالة، لا وفود شكلية كما يجب إعلان تكاليف الرحلة والعائد منها للرأي العام.
أخيرا أرى أن السفر المكوكي
للوزير، بالطريقة الحالية، ليس مجرد ترف شخصي، بل هو عبء مالي ومعنوي على قطاع يواجه
تحديات ضخمة.
وفي وقت تحتاج فيه الدولة لترشيد كل دولار، فإن استمرار هذا النمط من الإنفاق بلا محاسبة يرسل رسالة سلبية، مفادها أن الأزمات المالية لا تمنع بعض المسؤولين من العيش فى عالم افتراضى كأنهم فوق الواقع.
إصلاح هذه
الممارسات ليس خيارًا، بل ضرورة، إذا أردنا أن يكون القطاع قادرًا على مواجهة تحدياته
الحقيقية بدلًا من زيادة ديون جديدة لتمويل رحلات بلا جدوى.